تحدي من نوع آخر : قصة قصيرة

تحدي من نوع آخر : قصة قصيرة


تحدي من نوع آخر





بين الرغبة والرهبة بدأ الغلام الصغير مضطربا متذبذبا في أول سنة من حياته الدراسية .
فقد كان فوق كل هذا يحمل على عاتقه هما آخر لأنه كذلك أصبح المتابع الأول لأخيه المدلل الذي يصغره بسنة واحدة والذي دخل معه المدرسة في نفس العام ، وسببا
من أسباب تأخيره في الالتحاق بالمدرسة أسوة بأقرانه في القرية ، من غير أن يعي أي معنى للتأخير الذي قد يؤثر عليه مستقبلا ..
في ذلك المكان البعيد عن مسؤولية الأسرة ، كان منهمكا لا في شأنه فقط بل وشأن أخيه أيضا ، يهدئ من روعه كثيرا ، يضحي بفطوره أحيانا ليشبعه .
ومن هنا انطلق العقل المتأهب المستعد للصعاب بالرغم من تلك الطفولة البريئة التي تنشد الفرح والمرح أيضا .
أخوه المدلل الباكي الشاكي مافتئ يسأل المعلم بشكل متكرر ودموع منسكبة نافرا من جو الحصة الكئيب



: - أستاذ متى يحين الافطار .. أستاذ متى يحين الافطار .. ؟



- انتظر قليلا يا إبني الإفطار بعد قليل .



في مرة من المرات أطل عليهما أخوهما الأكبر من الخارج حيث كانت نافذة الفصل آنذاك مطلة على شارع السوق مباشرة
اختنق الغلام وحاول أن يهتف لأخيه : أن تعال أخرجني وأخي الصغير من هنا ، أنجدنا من هذا الرجل ( الأستاذ ) نريد البيت نريد اللعب ، لم يكن يعلم أن المدرسة هكذا خانقة ،
أوأنه سيكون في يوم من الأيام راعيا ومسؤولا أولا وأخيرا عن أخيه ..
يخفي دموعه بحنقة ويدفن صوته فقد كانت عيون المعلم تراقب الطلاب الصغار بكل انتباه ،
يحثهم على الاستماع باهتمام يعيد لهم الأحرف الهجائية بتكرار وبصوت عال لايقبل أي ثأثأة أو التفاتة غير مبررة ..


وفي ظل تلك الظروف المزدحمة بالمسؤوليات التي كانت تفوق جسده الهزيل - حتى في البيت لاحقا فقد كان مكلفا
بالمراجعة والاستذكار لأخيه - نسي نفسه ..
وحين جد الجد وحان وقت استلام النتائج في نهاية العام الدراسي وجدا نفسيهما
آخر الناجحين ، وبينما أخوه يضحك في فرح وسعادة ويبشر والديه كان هو يحترق من البكاء ، يعتصر ، يمزق جائزة الترضية .



وفي الصف الثاني الابتدائي شعر الأخ الصغير المدلل بفضل أخيه الكبير وبدأ يعتمد على نفسه يحل واجباته أولا بأول
ترك لأخيه جوه الذي كان ينشده وتتوق إليه نفسه ..
انتهت السنة الثانية بينهما في جو من الحرية والتفاهم والمثابرة ..
جد وقت الجد من جديد ، نجحا ولكنّ الكبير هذه المرة
- ( الأول ) - على رأس الناجحين مع شهادة التقدير .