جحا الطيب وحماره

جحا الطيب وحماره
كان لجحا حمار شرس مشاكس لا يقف أحد أمامه إلا عضّه، ولا يمر من خلفه شيء إلا رفسه، نهمٌ لا يمر بشجيرة مثمرة إلا أهلكها ولا زهرة جميلة إلا سحقها، ولم يسلم من عبثه إلا الأشواك الحارقة والأشجار الباسقة، وكلما احتاجه جحا في مشوار لا يصل إليه إلا وقد أُصيبَ بالدوار.
وعندما قرر جحا بيع هذا الحمار ليتخلص من شره وما يسبب له من أكدار ذهب به إلى السوق وصادف أن بائع الحمير كان من الفصحاء المفوهين، فوقف يروّج للحمار أمام المشترين: هاهو ذا أمامكم وهذه فرصتكم للحصول على هذا المخلوق اللطيف صاحب الخلق الظريف الذي إذا شبع شكر وإذا جاع صبر وإذا أُوذي غفر، ذو القلب الرحيم، هذا الحمار الحكيم، يهرول في الزحام ويسري في الظلام، يحرث الحقول ويعبر السهول، يصعد الجبال وينجز الأعمال، حثيث السير بشير خير...
وما إن سمع جحا هذه الصفات التي لم يكن يعرفها في حماره حتى انبهر به وتغيرت نظرته إليه كأنه يراه لأول مرة، بينما البائع يواصل إعلانه عن الحمار: فارس الحمير عليم بالدروب خبير، ولي الأولياء تقي الأتقياء، يقابل الوفاء بالوفاء، هذا الحمار الورع الزكي الصالح، من اقتناه فإنه - بلا شك - رابح...
فصاح جحا: أنا أشتري هذا الحمار. فرد البائع: ولكن البيع بالمزاد. فدخل جحا المزاد وظل يزايد في الثمن حتى رسي المزاد عليه.
فأخذ جحا حماره عائداً به وهو يحيطه بهالة من التقديس والتبجيل، ويشكر الله أنه فاز بهذا الحمار الفريد، وكأنه لم يذق عضّاته المُرّة ولم يُصب برفسه المَرّة تلو المرة.